عاطفة مفقودة إذاً الانحراف ممكن
إن الإنسان اجتماعي بطبعه، لذلك لا بد من الزواج لتكوين الأسرة، والحياة الزوجية هي النواة الأولى لتكوين مجتمع، وإن الدوافع الجنسية للإنسان هي إحدى الحوافز على البقاء والاستمرار، وهو السبيل لتحقيق الغاية التي خُلق لأجلها ـ وهي عمارة الأرض ـ، و إن المتعة الجنسية عندما تكون في ظل الزواج المقدس التي يجب أن نشكر الله عليها؛ فليس أجمل من أن تكون الأجساد معبرًا لتسكن النفس الإنسانية إلى النفس الأخرى، وهي أية من آيات الرحمن :}وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً{.
أما مسؤوليات الزواج الجسيمة التي يخافها البعض، فأنها سنة الحياة التي لا بد منها, فهي عطاء وأخذ؛ فالحياة تعطي بيد وتأخذ بالأخرى، فمقابل نعمة السكن العاطفي والإشباع الجسدي الجنسي لا بد أن تكون المسؤولية الناجمة عنهما كبيرة، وإلا لما اختلف الإنسان عن الحيوان بغايته من إشباع الغريزة الجنسية.
والفتاة أم للمستقبل و زهرة الحاضر و ثمرة من الماضي.. هذه الثمرة قد نغفل عنها في الصغر ولا نجني ما حصدناه بعد طول زرع من إهمالنا لها وعدم رعايتها ومتابعتها أو شدة وقسوة وصرامة ليست في محلها ولا وقتها إلا شوك يفسد المجتمع، وأضحت الفتاة بين كف التسيب والإهمال والحرية ألا محدودة، وكف الشدة والقسوة والوعيد والإهمال العاطفي ألا محدود؛ فقد يكون ذلك لسوء في فهم التربية، وهذا لعمري ما ينتج عنه فتاة تبيع نفسها لأجل إشباع الجانب العاطفي المهمول لديها.
حيث وجد أن الكثير من حالات الفتيات الضائعات تنكشف عن وجود حياة مؤلمة مرت بها في السنوات الأولى من ولادتها، وعلى سبيل المثال فإن انفصال الفتاة عن الأم في تلك السنوات معناه حرمانها من الكثير مما تحتاج إليه لاستقرارها النفسي ونموها العاطفي السليم. وهذا الحرمان يُعتبر بمثابة المرور بصدمة عاطفية كبيرة يظل أثرها يعمل في شخصيتها طوال حياتها تقريبا، لأن نمو شخصيتها تعتمد بالدرجة الأولى على قوة الروابط العاطفية التي تربطها بالأم بالدرجة الأولى وبغيرها من أفراد الأسرة في الدرجة التالية.
وقد تبين أن هذا الحرمان كان وراء بعض التصرفات الخاطئة التي ترتكبها الفتاة في مستقبل حياتها، مثل العدوان ، أو الهرب لفترات من البيت و المدرسة، فضلاً عن مشاعر القلق التي تعانينها، وغيرها من الأمراض العصبية المختلفة، بل وجد كذلك أن الحرمان من الحب والحنان الأبوي في تلك السنوات وراء الكثير من مظاهر الانحراف الأخرى مثل السلوك الجنسي الشاذ واللجوء إلى الانتحار أو تدمير الذات والعياذ بالله، وهذا للأسف ما نسمع ونقرأ عنه.
عاطفة وحنان مفقود من الأبوين اتجاه الفتاة في داخل البيت إذاً انحراف أخلاقي وسلوكي ، والحنان والرقة إن لم تكن في الإطار الأسري ستكون بين الفتاة وبين الذئاب البشرية.